الأخبار التقنيةمقالات موبايل ترند

الطفل الافتراضي مجرم إلكتروني يهدِّد العالم

قد يبدو أن المقصود من مصطلح «الطفل الافتراضي» هو شيء شبيه بلعبة تاماغوتشي التي يتم الاعتناء بها كالطفل العادي، لكن الحقيقة في واقع الأمر هي أكثر قتامة: إنها بمنزلة تهديد أمني حقيقي.
نعلم بشكل موثق أن قراصنة الكمبيوتر قد تمكنوا، منذ زمن بعيد، من التسلل إلى ملايين التسجيلات الخاصة بتجار التجزئة، كالمصارف وشركات التأمين الصحية، ويحاولون سرقة هويات أشخاص حقيقيين من أجل ممارسة الغش المالي. لكن الباحث في الشؤون الأمنية كريس روك أثبت أخيراً كم أنه من السهل خلق «طفل افتراضي» يمكنه النمو والترعرع، ثم يأخذ القروض المالية، ويتاجر بالأسهم، وفي نهاية الأمر يتم قتله من أجل الحصول على بوليصته الخاصة بالتأمين على الحياة.

هانا كاتشلر – 
يقول كريس روك إن الحصول على شهادة ميلاد من مؤسسات تشريعية وقانونية في اميركا وأستراليا، لا يحتاج إلا لإمضاء الأهل، يمكن أن يكونوا أي شخص، والطبيب. كما أن إنشاء حساب على الإنترنت كي يوقّع الطبيب المفترض على شهادات الميلاد هو أمر سهل، طالما أن لديك اسم الطبيب ورقمه التسجيلي. وهي بالطبع أمور متوافرة بشكل حر على غوغل.
روك أكد هذا الأمر قبل فترة أمام جمهور مكون من مئات من قراصنة الكمبيوتر، الذين حضروا للاستماع إليه في مؤتمر ديف كون المنعقد في لاس فيغاس. وأظهر خلال المؤتمر كيف أن هذه التحرّكات السهلة التي تتم عبر الإنترت في ما يخص سجلات الميلاد والوفاة، باتت تخلق ما يسمّيه في عنوان كتابه الجديد حصاد أطفال بالنسبة إلى الاختصاصيين العاملين في القطاع الطبي.
ويأتي الباحثون الأمنيون مثل روك في كل عام للمشاركة في مؤتمر ديف كون للإضاءة على مواضيع الخلل والضعف في أجهزة الكمبيوتر، حيث يحاول معظمهم حث الشبكات المعنية على تشجيع مالكيها لإصلاح العيوب الموجودة، ومنع بعض عمليات القرصنة التي تتم من دون الاعتماد على سبب جوهري.
وبينما قد يبدو توليد الأطفال الوهميين أمراً غريباً، فإن ذلك يشكل في الواقع الخطوة المنطقية التالية طالما أن المجرمين المنظمين باتوا يضيفون الجريمة الالكترونية إلى ترساناتهم. وهم يستغلّون حالة الراحة والمرونة التي فرضتها مؤسسات حكومية وشركات خاصة في قواعد بياناتها، والتي ساهمت في التضحية بمسألة اليقين من هوية الشخص المستخدم، لمصلحة السرعة وخفض النفقات.
مصدر إلهام روك كان المفهوم الذي تتبناه بعض الشركات ويعرف باللغة الإنكليزية بـ Shelf company، أي الشركة التي يتم تأسيسها وتترك جانبا من دون أن تمارس أي نشاط. ومثلما هو الحال لدى أنواع أخرى من الشركات التي تستخدم كمنصة لتمرير المعاملات التجارية لكن دون أن يكون لها أي أصول أو ممتلكات (تعرف تلك الشركات بـ Shelf company)، فإن النوع الأول من الشركات يمكن أن يؤسس بطريقة تجعلها تبدو وكأنها توظف عدداً من الموظفين وتمارس العمل التجاري، لكن بعكس النوع الثاني، فإنها تترك لأعوام بهدف بناء تصنيف ائتماني بكر، وهو ما يستخدم أحياناً من قبل غاسلي الأموال القذرة. وبالتالي أظهر المذكور كيف يمكن خلق طفل على غرار النوع الأول من الشركات، أي ما قد يصطلح على تسميته باللغة الإنكليزية بـ shelf baby. فهذا النوع من الأطفال لا يظهر إلا على الورق، يمكن استعماله للحصول على المنافع التي تقدمها الدولة وللحصول على رقم ضمان اجتماعي سليم. «لكن بإمكان هذا الطفل الافتراضي الحصول على قروض مصرفية، بطاقات ائتمان، وأن يسدد الضرائب ويمتلك بالتالي عدداً من بوليصات التأمين على الحياة»، كما قال.
وبينما ينصح روك قراصنة الكمبيوتر بعدم القيام بمثل تلك الأعمال، فإنه يفسر من جهة أخرى لماذا قد يرغب الناس في امتلاك طفل افتراضي.
«يمكنك اقتراض ملايين الدولارات من دون أن تعيد تسديدها». علاوة على ذلك، يمكن أن يشكّل ذلك بداية معينة لبعض الناس الذين أثاروا فوضى كبيرة في حياتهم الحقيقية ويرغبون في البدء مجدداً من خلال هوية جديدة. «أو يمكنك تحميل هذا الأمر مع بواليص التأمين على الحياة من أجل الحصول لاحقاً على استحقاقات الوفاة. وعندما تنتهي من كل ذلك يمكنك إنهاء عملية التشغيل بالكامل وأخذ الأموال».
إن إنهاء (أو قتل) عملية تشغيل لهوية افتراضية، أو حتى هوية حقيقية، هو عمل بسيط مثل خلق هوية جديدة لشخص، وذلك بفضل ارتفاع نسبة استخدام أنظمة تسجيل الوفيات على الإنترنت، حيث تحتاج هنا إلى توقيعين فقط: الطبيب ومدير مؤسسة دفن الموتى.
وأظهر روك أنه قادر على تزوير القسم المتعلق بالطبيب في الطلب الإلكتروني.
وكان بإمكانه أيضا أن يزور عملية تسجيل مدير مؤسسة لدفن الموتى بطريقة مماثلة لتلك التي اتبعها لتزوير عملية تسجيل الطبيب، لكنه اختار كي يرى إذا كان بإمكانه أن يسجّل مدير المؤسسة المذكورة في بلده الأم أستراليا. لم يكن ذلك صعبا. اكتفى بتأسيس موقع وهمي على الإنترنت ممتلئ بصور للورود والتوابيت، وإرسال إيميل واحد. بعد ثلاثة أيام كان مسجلا بشكل رسمي كمدير لمؤسسة تتخصص بدفن الموتى، ومسجل في قاعدة للبيانات على الإنترنت.
لعل الخطر الأكبر بالنسبة الى المشروع برمّته كان الاحتمال المرتبط بإمكانية تحويل الوفاة الوهمية إلى الطبيب الشرعي باعتبارها حالة مثيرة للشبهة. لكن لتجنب حدوث هذا الاحتمال، قدم روك نصائح حول كيفية تعبئة شهادات الوفاة، مُبرزا في الوقت نفسه الحالات التي قد تتم الإشارة إليها.
وحالما تصبح شهادة الوفاة بحوزتك، يمكنك عندئذ أن تعبّئ الوصية على الإنترنت، وأن تكتب للمصارف، وأن تُغلق جميع الحسابات التي كانت مفتوحة باسم طفلك الافتراضي. «يمكنك بكل بساطة أخذ جميع الأموال والفرار بها»، كما قال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى